"الفضول"...فى طريقه لإستكشاف المريخ

8:36 م | | | 3تعليقات
شهد العالم بأسره يوم السبت الماضى الإنطلاق التاريخى الناجح لواحدة من أهم العربات الإستكشافية فى طريقها إلى كوكب المريخ . العربة المريخية "كيريوسيتى Curiosity" و هى الترجمة الإنجليزية لـ "الفضول" أو "حب الإستطلاع" و هو فى حقيقة الأمر إسم على مسمى يبين بكل وضوح الدافع وراء إطلاق العربة المريخية الأسطورية.

"كيريوسيتى" ليست العربة المريخية الأولى لإستكشاف كوكب المريخ، لكن سبقها إلى هناك الثنائى "فايكينج 1" و "فايكينج 2" اللتان قامتا بإستكشاف الصخور المريخية ، و الثنائى "سبيريت" و "أوبرتيونيتى" اللتان كان لهما الفضل فى إكتشاف دلائل وجود مياه على كوكب المريخ و أخيرا "فينكس" التى عثرت على الجليد المريخى المتجمد. بالرغم من كم المعلومات الهائلة التى نمتلكها الآن عن كوكب المريخ بفضل العربات المريخية إلا أنه قد بقى سؤال واحد يُطرح من باب "الفضول" و لم نستطع الإجابة عنه حتى الآن: هل يصلح كوكب المريخ لإحتضان حياه على سطحه؟ و هنا تلعب "كيريوسيتى" دورها لكى تكمل مهمة "أسلافها" على المريخ و تجيب عن هذا السؤال لكي تشبع "فضول" بنى البشر.



العربة المريخية كيريوسيتى
تختلف "كيريوسيتى" عما سبقتها من عربات مريخية ، ذلك لأنها تعد روبوت جيولوجى متعدد الوظائف و الإمكانيات ، يستطيع إنجاز المهمة بكفاءة مختبر متكامل يحوى 11 جهاز و معدة مختلفة لكل منها دوره لإتمام المهمة فى حين إقتصرت مهمة المركبات السابقة على إلتقاط الصور و إرسالها إلى كوكب الأرض.

سوف تستغرق رحلة "كيريوسيتى" حوالى 8 أشهر، و حالما تقترب من الكوكب الأحمر تبدأ رحلة أخرى مذهلة و هى رحلة الهبوط على أرض الكوكب، و التى تنقسم إلى عدة مراحل غاية فى الدقة و الإتقان . تدخل كيريوسيتى الغلاف الجوى المريخى فتبدأ بالإحتكاك معه بشده لكن لا داعى للقلق ، حيث يعمل العازل الحرارى الخارجى على تأمين الحماية الكاملة لها، فى الوقت ذاته يعمل هذا الإحتكاك على الإبطاء من سرعة الهبوط. و لكن مع إقتراب "كيريوسيتى" من السطح لن يكون الإحتكاك كافيا لتهدئة السرعة ، و هنا يحين دور "المظلة" الضخمة لكى تنفتح و تقلل من سرعة الهبوط بشكل كبير.



بالرغم من ذلك فإن المظلة وحدها غير كافية لتوفير هبوط آمن لـ "كيريوسيتى"، لذلك فإن المظلة يتم التخلص منها على بعد بضع من مئات الأقدام من الأرض و تسلم مهمتها إلى صواريخ الدفع النفاثة الخاصة بالحوامة التى تحمل كيريوسيتى فى جوفها و ترتبط بها بالحبال شأنها فى ذلك مثل ارتباط الجنين بالأم فى رحمها بالحبل السرى. و هنا تأتى اللحظة الحاسمة، لحظة ولادة "كيريوسيتى" من "رحم" الحوامة النفاثة ، فتتدلى كيريوسيتى بالأحبال و الأسلاك التى توصلها بالحوامة ،و تقترب كريوسيتى رويدا رويدا من السطح ناشرة عجلاتها الست فى مواجهة السطح حتى تصل إلى التربة الحمراء بسلام .




هبوط كيريوسيتى
موقع هبوط كيريوسيتى لن يكون عشوائيا، بل هو مخطط مسبقا بعناية فائقة. سوف تهبط كيريوسيتى فى فوهة جبل بركانى قديم يسمى "جيل"، و تم إختيار هذا الموقع تحديدا تبعا لصور الأقمار الصناعية التى كشفت أن هذه المنطقة ربما كانت تحتضن كائنات دقيقة فى وقت سابق. لا يتوقع العلماء أن تكتشف كيريوسيتى مستعمرات من الكائنات الدقيقة فى فوهة "جيل" لأنه ببساطة مستحيل فى ظل الظروف البيئية القاسية على المريخ اليوم. لكن ما تبحث عنه "كيريوسيتى" فعليا هى الظروف البيئية المحيطة التى ربما ساعدت مثل هذه الكائنات أن تعيش على سطح هذا الكوكب يوم فيما مضى عندما كان مفعما بالدفء و كانت المياة لا تزال تجرى على سطحه.



ما أن تلمس عجلات كيريوسيتى السطح حتى تأخذ لقطة بنورامية ثلاثية الأبعاد لمعالم البيئة المحيطة بها لكى تحدد بدقة من أين تبدأ العمل. بعد تحديد البقع المهمة توجه كيريوسيتى أشعة ليزرية حارقة إلى الصخور المحددة من على بعد 7 أمتار ، و نتيجة لذلك بالتأكيد تتصاعد بعض الأبخرة من سطح الصخر و فى هذه اللحظة تكون "الكاميرا الكيميائية ChemCam " الخاصة بكيريوسيتى جاهزة لإلتقاط صورة مقربة لتلك المواد المتبخرة من الصخور و تعمل على تحليلها عن بعد لإستكشاف محتواها من عناصر كيميائية معروفة.


إطلاق الأشعة الليزرية





قد تهتم كيريوسيتى بنوعية معينة من الصخور و فى هذه الحالة لا تجد بد من الإقتراب و أخذ العينات منها مباشرة من أجل تحليل أدق و دراسة تاريخها بعمق. تحفر معدات كريوسيتى فى الصخر فتحة صغيرة فى حجم رأس الدبوس و تستخرج عينة من الأتربة الناتجة عن الحفر من الفتحة و تدخلها إلى جهاز "تحليل الكيمياء و المعادن CheMin " ليعمل على نخل التراب و و هزه حتى يتطاير و يتناثر أمام مصدر لأشعة أكس فتعمل على التعرف إلى أنواع الأملاح المختلفة التى تحويها العينة عن طريق دراسة إنحراف أشعة إكس من على بلورات الأملاح المحتواه فى العينة ، فإن كل مادة لها نمط إنحراف مختلفة عن المواد الأخرى مما يجعلها علامة مميزة للتفريق بين المواد و بعضها. بدراسة المعادن و معرفة أنواعها المختلفة فى الصخور المريخية يسهل على العلماء وضع تصور كامل للبيئة التى تكونت فيها الصخور من عوامل جوية مناخية ، و منها معرفة إذا ما كانت تلك البيئة مناسبة لنشأة حياة سابقة أم لا.

أما أهم جهاز فى معمل كيريوسيتى فهو "سام SAM " لأنه المسئول الأول عن إكتشاف علامات حياة على المريخ. يأخذ "سام" التراب و يسخنه حتى تتحول بعض مكوناته إلى غازات يعمل على تحليلها بحثا عن "المركبات العضوية Organic Compounds ". توجد المركبات العضوية فى الطبيعية فقط فى الكائنات الحية كالنبات و الحيوان أو فى مخلفات عنها، و معنى تواجدها فى المريخ (إن وجدت) يفتح الأبواب أمام إحتمالية نشأة حياة سابقة على المريخ و لو فى صورتها الأولية على هيئة بكتيريا أو كائنات دقيقة.

دور كيريوسيتى العظيم يكمن فى أنها تعتبر التمهيد الحقيقى قبل إرسال بشر إلى المريخ و إنشاء مستعمرات هناك، و ما ترسله من معلومات يعتبر اللبنة الأساسية فى بناء قاعدة بيانات بأفضل المواقع لهبوط الإنسان و بناء المستعمرات. سوف تستمر مهمة كيريوسيتى الإستكشافية مدة سنتين على الأقل و يمكنها أن تمتد أكثر منذ ذلك ، إذ لا يقلق العلماء بشأن عمر مصدر طاقتها التى تستمدها من بطارية "بلوتونيوم" نووية قد لا تنضب حتى تهلك كيريوسيتى نفسها و تصبح غير قادرة على العمل.


المصدر : موسوعة العلوم


هل أعجبك الموضوع ؟

مهلاً لا ترحل ، لدينا المزيد ! :

ضع تعليقا

هناك 3 تعليقات:

  1. ما شاء الله .. العلم ليس له حدود أبداً

    ردحذف
  2. رووعة .. عن جد ما بعرف شو أقول : سوى ما شاء الله

    ردحذف
  3. في انتظار تقدم العرب ...

    ردحذف

جميع الحقوق محفوظة ©2013 لموسوعة كنوز المعرفة